لم يكن عبدالكريم سروش،
1945) الا احد المبشرين بثورة عقلانية خلال الثلاثين سنة الفائتة ، سروش الذي درس في ( قم ) عاصمة الثقافة في ايران ، ودرس دكتوراه الفلسفة من جامعة ايران وكان من المقربين من امام الثورة الامام الخميني ، ونصبه ليكون مسؤولا عن مشروع لأسلمة المعرفة كجزء من ايديلوجيتهم التي تحكم باسم الدين وتسعى أن تأسلم المجتمع باستنادها على فقه وفهم بشري ، وهو ما يعارضه سروش ونأى بنفسه عن هذا الجو ليستقر في جامعة جورج واشنطن وهو الان استاذ زائر في عديد من الجامعات الاوروبية والامريكية وصنف من اكثر 100 شخصية مؤثرة سنة 2009 م ،يكمن مشروع سروش بالاتكاء على قيم الحداثة واخضاع كل شئ تحت مجهر العقل فمن مقالاته في أحد كتبه العقل والحرية ، يرفع من مكانة العقل ويدعو لفعل التعقل في كل شئ دون خوف من الخطل والخطأ ، فالعقل يصحح بعقل آخر مثله وكل ما زاد فعل التعقل في مجتمع ولدت العقلانية لتلفه وتنير له الدرب في مسارات الحياة بعيدا عن الاتكاء على نصوص خرجت من فهم بشري ( التأويل) تحتمل الخطأ في جوانبها،
سروش والتدخل الحقيقي للدين
لا كما العلمانيات العنيفة في تعاملها مع الاديان والتدين ، سروش يقرر حرية التدين في المجتمع ، و لا يملك الا السماح بذلك فالتدين جزء من حياة البشر وهو يعطي معنى للحياة لكثير منهم ، يكمن اختلاف سروش مع التدخل الشرعي للدين في الدولة ، بحيث يقدم هذا الفهم البشري للفقه على أنه كلام الله ، ويحاكم الناس مؤمنهم وكافرهم بضوء هذا الفهم ، وتقطع الرقاب وتبتر الايدي، سروش يرى بضرورة تجاوز هذا الفهم ويدعو برسائل بينه وبين رفقائه السابقين ويناصحهم بالبعد عن الدولة التي يحكمها
الثيوقراط، ويؤسس لفكر دولة مدنية تكون الفضيلة جزء اساسي يلفها وهوية تكون أجزاء شعبها بمختلف دياناتهم وأعراقهم ،
( حقيقة الأمر هي أنهم عندما يتحدثون عن الدولة الدينية في ايران اليوم، فإنهم يقصدون الدولة القائمة على الفقه، والتي لا يمكن خطها بطريقة أخرى ، وانا عندما أتحدث عن الدولة التي تتجاوز الدين فهي الدولة التي تتجاوز الفقه ، الحرية للدين وليست الحرية من الدين )
فهو يرى في الدولة الدينية بأن الاحكام تصور على انها كلام الله الذي اراده ان يقام على البشر مما يخلق حالة تشوه هذا الكلام المرتفع وتنزيله على فهم من فهوم البشر ... ليس هناك مشكلة في التدخل الحقيقي للدين ، من حيث حركة التدين في المجتمع ، لكن يقف هذا التدخل عندما يتعلق الامر بالتشريع فالتشريع يقام على اساس مدني حيث العقل وقيم الحداثة ( التي هي نتاج مما دعا اليه الانبياء في مسيرتهم ) المسيرة لهذه الدولة العلمانية ، مما يخلق بيئة صحية لتعددية دينية لها كامل حقوقها المدنية ،
الاستغناء عن الانبياء ، علاقة المعلم والطالب
في استقراء سروش لتاريخ البشرية ، يرى أنها مرت بمراحل ، كل مرحلة هي بداية
جديدة تستغني عن المرحلة السابقة لها، فالتدين ما قبل الحداثة يختلف عن التدين ما بعد الحداثة ، يطرح مسألة الاستغناء عن الانبياء بعد نجاحهم في بث معاني الفضيلة والحرية والعدالة ، كعلاقة المعلم مع الطالب ، فالمعلم يعلم تلميذه ليصبح متعلما مستغنيا عنه في المستقبل فلن يعد هذا الطالب على كرسي الدراسة للابد ، التعليم وجد لتدريس الطلاب ليصبحوا هم معلمين في المستقبل ، كذلك الانبياء بثوا معانيهم للناس وهم يريدون لهذه العلاقة أن تتلاشى ويصبح البشر مستغنيين مكتفين بذواتهم على ضوء التعاليم التي تلقوها في مرحلة اتصالهم مع انبيائهم،
سأنتقل الآن الى معالجة ضيفي الدكتور مصطفى ملكيان(1955 ) القادم من نفس الفضاء الايراني ، هو ايضا تتلمذ في قم وهو درس الفلسفة في جامعة طهران وهو الان استاذ الفلسفة وفلسفة الدين في نفس الجامعة ، قبل أن يعرض الدكتور رأية يطرح فكرة عن أنواع المعتقدات سيما وان الدين يعتبر معتقد ،
1 المعتقد الأنفسي subjective
وهي معتقدات غير ممكنة التقييم والفحص لا منطقيا و لا معرفيا ، ومرد عدم قابليتها للاختبار الى كونها معتقدات تختص بالذوق والسليقة والاستحسان
.. 2 المعتقد الافاقي objective
هي معتقد لا يتحدث عن حالتي الشخصية، و لا تصف حالتي النفسية أو ميولي الذوقية، بل تخبر بشئ عن الواقع الموضوعي، والمعتقدات الافاقية التي تتحدث عن العالم الخارجي تنقسم الى قسمين
، معتقدات آفاقية يستطيع الانسان بالقوة أن يتأكد بصدقها من كذبها، لكنه بالفعل وفي الحال الحاضر ، لا يقدر على فحص كذبها من صدقها، فمثلا لو قلنا باحاطة الاوكسجين لكوكب من الكواكب في احدى المجرات البعيدة، لما كان هذا حكما انفسيا ، لم اتحدث به عن ذوقي واستحساني، بل أخبرت عن شئ آفاقي، بيد أن العلوم لم تتطور لتصل الى درجة اليقين من ذلك ، فهذه معتقدات غير قابلة بالاختبار بالفعل ، انما تقبل الاختبار بالقوة، ولنطلق عليها : معتقدات آفاقية غير مختبرة .. وهذا القسم مع تطور العلوم سيكون قابل للاختبار والفحص ...
القسم الثاني ، هي معتقدات آفاقية قابلة للاختبار، معتقدات آفاقية مختبرة ، كقولنا أن هذا النوع من الفطريات سام ...فهي يمكن قياسها وفحصها ووالتأكد من صدقها من كذبها ..يرى الدكتور مصطفى ان الامور التي تخضع لتصويت المجتمع هي ما تكون تحت تصنيف الامور الانفسية والافاقية غير المختبرة، صوت الناس هو وحده يكون الفاصل ويشدد على وجود حس عدالي داخل هذا المجتمع ليحمي من ظلم الاقليات ، اما الامور الافاقية وهي التي بالامكان فحصها ومعرفة مدى نجاعتها وضررها فلا تعرض للتصويت، هل سنصوت حول وزن هذا القدح الذي سيكون أساس قراراتنا في الحياة هل هو خمسون غرام ام اكثر او اقل ؟ونأخذ بصوت الاكثرية ، هذا غير مقبول لان وزن القدح معروف ويمكن قياسه،ا ، انطلاقا مما سبق تكون الحكومة الدينية التي تريد تسيير حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على نص ديني ، يرد سؤال هل ستتلائم هذه الحكومة مع ما أسلفناه سابقا ام لا ؟ لو أردنا تسويغ الحكومة الدينية لوجدنا انه لو كانت العلوم والمعارف الدينية هي من الامور الافاقية المختبرة لوجب تنفيذ الدولة الدينية شاء الناس أم أبوا لأن القضية ستكون كقضية المادة المسببة للسرطان، اما ان كانت من الامور اانفسية والافاقية غير المختبرة فهي تحتاج لتصويت الجماهير مع علم الجماهير بأن هذه التعاليم أحقيتها من بطلانها أمر غير معلوم ، لكننا جميعا أو أكثريتنا ، نريد أن تقوم الحكومة على أساسها ، و لا بد أن تقوم حكومة دينية، يتسائل الدكتور مصطفى ، الى أي مدى تكون المعتقدات الانفسية والافاقة غير المختبرة يحق لها التأثير بالحياة العامة ؟
ويقترح الدكتور أنه يتسنى للدولة أن تقام على أسس علمانية اذا استقامت ثلاث شروط : 1
1يرى كل أفراد المجتمع أو أكثريتهم أن
التعاليم الدينية غير ممكنة الاختبار بالفعل .
2
يرون أن هذه التعاليم رغم عدم قابليتها للاختبار الا انهم يريدونها تمثل قاعدة اتخاذ القرارات
.3 ان تكون هذه التعاليم التي يطمع الناس أن تكون قاعدة القرارات في حياتهم المجتمعية بنفس التفسير الذي يحمله الناس لها ويريدونه/ لا ان تعرض عليهم صورة ظاهرية التعاليم ، فيقبلونها ويستحسنونها، وعند التطبيق العملي تظهر بصورة أخرى ،
يعد هذه المعالجتين لهذا الموضوع الشائك ، أورد نقطة اضافيه ، لما يخاطب الله الانسان فهو يخاطبه كفرد ويتلو عليه الكلم وقد قرر له حقوقا لفردانيته ، له الحق في أن يقبل وأن لا يقبل ، عندما تقوم احدى الجماعات لاقامة دولة دينية ترتكز على تعاليمها وهي هنا القرآن والسنة كما يقولون، تكمن اشكالية أن القرآن نفسه هو يحقق للفرد حريته في قبول الانخراط تحت هذه التعاليم ، فتطبيقهم على هذا الفرد هذه الاحكام يعارض ما ورد في تحقيق حرية هذا الفرد ،
لا أمل في أن تجعل الناس سعداء من خلال السياسة.توماس كارليل
بالنهاية ، ليس من مهام الدولة أن تقول لنا من هو الله ..